دراسة في مفاعيل عملية طوفان الأقصى وانعكاسها على مصير الكيان الصهيوني.
لم يحصل في تاريخ الصراع القومي مع العدو الصهيوني ان مر هذا الكيان في مرحلة دقيقة وخطيرة ومهددة لوجوده كما بعد عملية طوفان الأقصى التي حسمت ومن اليوم الأول للحرب في 7 ت1 2023 ، نتيجة الحرب لصالح حرب التحرير بوجه الكيان الصهيوني، بل شكلت الخطر الوجودي الفعلي على وجود وامكانية استمرار هذا الكيان.
وللخوض في شرح حرب الوجود الحالية لا بد من استعراض لمسيرة انشاء هذا الكيان وبنيته الإجتماعية .
مع انهيار السلطنة العثمانية وسطوة الإنتداب الفرنسي البريطاني على سورية الطبيعية وتقسيمها عبر اتفاقية سايكس بيكو وبدء تنفيذ المشروع الصهيوني المقر في مؤتمر بازل، بهدف انشاء دولة توراتية تستقطب يهود العالم على أرض فلسطين تحقيقا لوعد توراتي في دولة يهودية من الفرات الى النيل. وبالطبع يبقى هذا الكيان جنين استعماري مستحدث بإرادة استعمارية، يستعمل لضرب اي مشروع لوحدة سورية، ويحمل مهام الشرطي الإستعماري في المنطقة.
لقد نشأ هذا الكيان بناء على تكامل إرادتين فاعلتين:
1- الأولى تخص الصهيونية ويهود العالم وخطة جمعهم في دولة يهودية،
2- والثانية هي ارادة استعمارية غربية كان لها الباع الطويل في انشاء الكياء وتحديد مكانه في فلسطين المحتلة بهدف استخدامه لخدمة اهداف الإستعمار.
سنتوقف في هذه الدراسة عن الإرادة اليهودية الصهيونية كوننا ندرس اسس الكيان والتحديات الوجودية ، طبعا دون ان نغفل الإرادة الإستعمارية وانعاسها على تلك النشأة والمسار.
الإرادة اليهودية الصهيونية بنت استراتيجيتها على فكرتين مترابتطين وخطة دقيقة مبنية على :
1. فكرة الأرض الموعودة: ترتكز هذه الفكرة على امر أساسي هو أن الله خلق الدولة، وهذا الارتكاز يكون على نظرية النشأة المقدسة.
مفهوم الدولة اليهودية : مفهوم دينى بالدرجة الأولى، وله أبعاد وغايات سياسية، تهدف من خلالها إسرائيل إلى استئصال كل ما له علاقة بالواقع المعاش، سواء أكان ضمن حدودها الجغرافية التي احتلتها وأقرتها الأمم المتحدة عام 1948، أو الحدود التي امتدت إليها يدها فيما بعد حرب عام 1967، ولا تزال تحاول الوصول إليها حتى يومنا هذا.
تحكم الفكر السياسى الإسرائيلى المعاصر عدة مرتكزات توراتية ، تلك التي نشأت عليها دولة إسرائيل، والتى تشكل جوهر العمل السياسي لكل التيارات والقوى الفكرية والسياسية الإسرائيلية، فالجميع توراتيون يتوافقون على مصلحة إسرائيل العليا ويعملون متحدين للوصول إلى غاياتهم السياسية الدينية، وتتمثل هذه المرتكزات التوراتية فيما يلى:
■ اليهود هم شعب الله المختار، وإن “إسرائيل” هي أمة الله المفضلة، وإن الشعوب الأخرى يجب أن تكون عبيدًا لهم، وهم أي الآخرون- من الضالين عن معرفة الله.
■ إن القدس مدينة يهودية، وهى عاصمة أبدية لدولة “إسرائيل” لأجل تحقيق الوعد التوراتى بظهور المخلص المسيح.
■ يجب تدمير كل الأبنية والأماكن غير المقدسة، سواء في القدس أو خارجها، أي الأماكن غير اليهودية.
■ بناء الهيكل أمر أساسي وضروري لأنه لا اورشليم بدون الهيكل، إن دولة “إسرائيل” هي دولة كل اليهود المنتشرين في كل أنحاء العالم، وهي قد وجدت بأمر إلهي تحقيقًا للنبوءة التوراتية.
■ أرض فـلـسـطـيـن هـى أرض الـوعـد، وهى الأرض الـتـى اختارها الله لشعبه المختار لكى يقيم عليها دولته التي ستمتد من الفرات إلى النيل.
2. فكرة القومية اليهودية؛ وهي فكرة صهيونية تدعو إلى تجميع كل يهود العالم المتفرقين في أرض الشتات في دولة قومية واحدة. مستغلين عدة أمور مهمة منها ظهور وانتشار معاداة السامية أو ما تسمى اللاسامية التي ظهرت في العصور الوسطى عند تعرض اليهود لحملات الاضطهاد ومشاعر الكراهية من قبل المسيحيين في اوروبا. لذلك صاغ منظرو الحركة الصهيونية فكرة القومية اليهودية من أجل بناء دولة خاصة ليهود العالم على أساس قومي لأنها الحل العملي لمشاكلهم. ويعد موزس هس 1862 هو أول مفكر يهودي صهيوني استخدم هذه الفكرة من خلال كتاباته في مؤلفه الموسوم (روما والقدس – المسألة القومية الأخيرة)
الأسس السياسية والإرادة الإستعمارية :
أ – الاستفادة من الحركة الاستعمارية؛ وهي تتلخص بحصول الصهيونية على مكاسب مهمة جداً لقيام الدولة الإسرائيلية، وهي وعد بلفور 1917، وصك الانتداب في 1920، وقرار تقسيم فلسطين عام 1947 – ( الإرادة الإستعمارية في الإنشاء)
وكان تفكير الحركة الصهيونية مبني على أن تحقيق تلك الأمور المهمة والتعاون مع قوى امبريالية كبرى سوف يساعد في حسم أمور مهمة جدا، منها منح شرعية للصهيونية، والدفاع عن الدولة اليهودية، والأمر الآخر خاص بالعرب وهو في ابتعادهم عن التفكير بالمقاومة لأنها لن تجدي نفعا لهم.
ب. انشاء مؤسسات سياسية واقتصادية في الخارج.
أنشأت الحركة الصهيونية عدة مؤسسات سياسية واقتصادية من أجل النهوض بالدولة اليهودية. ومن تلك المؤسسات مكتب فلسطين في مدينة يافا، والمجلس التمثيلي الذي يشبه البرلمان للجالية اليهودية في فلسطين والوكالة اليهودية الخاصة باسداء المشورة لإدارة فلسطين في الشؤون الاجتماعية والاقتصادية لإنشاء وطن قومي يهودي، ومن المؤسسات المهمة جدا هي الصندوق القومي لليهود الذي كان مسؤولا عن شراء الأراضي الفلسطينية واستملاكها وكاللعائلات اليهودية النافذة دوليا كروتشيلد، دوبونت وروكفلر ومورغان اللواتي ساهمنا ماليا وصرفوا نفوذعم السياسي في الغرب دعما لإنشاء الكيان الصهيوني.
الجيوبوليتيك والجيوستراتيجيا
لقد اثبت المسار التاريخي ان نشوء الأمم هو حالة جيوبوليتيكية للجماعة المتفاعلة مع البيئة الطبيعية، وهي تكامل مدرحي تنتج عنه مزايا الأمة الناشئة، التي بدورها تحمل في مكنون دولتها المعبرة عن وحدتها، جيواستراتيجيا تدير من خلالها شؤونها الإستراتيجية من امن واقتصاد وتطور وسياسة خارجية، واتساع في المجال الحيوي، ولنا في التاريخ امثلة مختلفة متقاربة في النشأة ومتفارقة حسب الجيوبوليتيك والمعطى البيئي الطبيعي.
خلافا للمسار الطبيعي في نشوء الأمم، لقد نشأ الكيان الصهيوني بناء على ارادتين صهيونية واستعمارية شكلوا مؤامرة دولية وضعت جيواستراتيجيا مبنية على اساطير توراتية وثقافة عنصرية تستهدف جمع يهود العالم في فلسطين واغتصاب الأرض عبر الترهيب وانشاء الدولة الصهيونية من جهة، وخدمة الإستعمار الغربي في منطقة الشرق الأوسط من جهة ثانية، والسعي الى فرض جيوبوليتيك صهيو-استعماري يبسط دولة اليهود من الفرات الى النيل.
وقد نجحت هذه الاستراتيجية في القرن الماضي في بناء الدولة وفي حشد دعم سياسي ودولي غربي كبير كما في مد بشري كبير من اوروبا الشرقية والإتحاد السوفياتي السابق، لكنها فشلت في بسط جيوبوليتيك صهيوني لأنها اسطدمت بإرادة الشعب ومقاومته في صراع وجودي بين الأمة السورية وكياناتها المشتة بفعل الإستعمار والتقسيم وسايكس بيكو، والكيان الصهيوني المسخ في ارض فلسطين المحتلة ( كل ذلك حصل في ظل الإستعمار الغربي = “الإنتداب”).
في بنية وهيكلية “المجتمع والكيان الصهيوني”:
الكيبوتس : العنصر الأساسي والعامود الفقري في بناء المجتمع الصهيوني:
تعريف: الكيبوتس (مستوطنة زراعية وعسكرية )وجمعها بالعبرية «كيبوتسيم»، أو بالعربية «كيبوتسات») هو تجمع سكني تعاوني يضم جماعة من المزارعين أو العمال اليهود الذين يعيشـون ويعملون سـوياً، ويبلغ عـددهم ما بين 40 و1500 عضو. والكيبوتس كان اساس متحدي للمستعمرات الصهيونية وهو الأساس في بناء المتحدات الصهيونية التي تتمتع باللامركزية ، ويمثل تجمعها برادة الإستعمار والمؤسسات الصهيونية اساسا للمجتمع الصهيوني الذي نشأ في فلسطين المحتلة. مااذا يؤمن الكيبوتس لتحفيز هجرة اليهود من انحاء العالم الى فلسطين: .
-1 تأمين الجنسية
-2 تأمين المسكن المجاني + الحوافز السكنية والمعيشية.
-3 تأمين الأمان للمستوطنات ، عبر توطيد الثقة بين المستوطنين والأجهزة الأمنية وجيش الإحتلال .
-4 تأمين الوظيفة او العمل المستدام ضمن الكيبوتس – المستوطنة او المستعمرة ( زراعة، صناعات خفيفة ، تصنيع عسكري ، تطوير تكنولوجي )
-5 شراء المحصول الناتج من العمل – اي لا هم لسكان الكيبوتس في تسويق الإنتاج.
-6 عملية تثقيف للمستوطنين حسب أصول التوراة والتلمود مبنية على خطاب عنصري يحث على كراهية أهل الأرض الأصليين ( منهجية ثقافية تعتبر- الآخر عدو )
-7 تسليح المستوطن ورفع معنوياته وفرض ارادته على اصحاب الأرض وحثهم على التوسع من ضمن خطة الدولة الصهيونية.
مفهوم السيطرة:
لقد وضعت الحركة الصهيونية ما سمي ” المفهوم الصهيوني للسيطرة” لإستمرار وتطور الدولة بناء على مفهوم السيطرة:
1- السيطرة الفكرية : الإعلام، التعليم، المؤسسات والجمعيات الصهيونية ، والماسونية العالمية.
2- السيطرة المالية: عبر استعمال اللوبي الصهيوني والمؤسسات الدولية كصندوق النقد التابع لبنوك العائلات اليهودية، سياسة افقار الدول واخضاعها، وتدجينها.
3- السيطرة السياسية: استهداف حكم العالم عبر العولمة السياسية والدور النافذ للدولة العميقة في الولايات المتحدة خاصة والدول الغربية التابعة، الى جانب المؤسسات الماسونية والصهيونية العابرة للقارات.
4- السيطرة العسكرية: تسخير قوى العالم الغربي العسكرية لتحقيق المآرب الصهيونية، عبر توظيف انواع السيطرات السابقة في هذا التسخير ، وإن التاريخ يشهد على ذلك في مراحل نشوء الكيان وحروبه خلال المئة سنة الماضية.
حرب الوجود وضرب مقومات بناء المجتمع الصهيوني
بعد سرد المعطيات الموضوعية وتوصيف الكيان المصطنع واسس انشائه ، جدير بأن نذكر بأن معظم الحروب التي خاضها الكيان الصهيوني كانت تتسم بدور العدو في توقيت الحرب والإستفادة من المفاجأة، وفي خوض العدو لحروبه خارج حدود الكيان، وكانت معظمها بهدف التوسع او بهدف ضرب القوى المناهضة لمشروعه، وفي خوض حروب خاطفة ورابحة، وحروب ذات طابع حدودي ام توسعي للكيان، وحروب نتيجتها هدنات ام وقف أطلاق نار لمصلحة العدو واستبعادا لحالة الإستنزاف، عدا ما حصل في اجتياح 1982 للبنان حيث اضطر العدو الى ذوق طعم المقاومة والهزيمة والتراجع والإنسحاب من الأراضي المحتلة في أيار 2000.
اما على الصعيد الداخلي، فلقد ادت الإنتفاضة الأولى في 1987 الى ارباك العدو في الداخل والى اعادة المسألة الفلسطينية على طاولة الحوار الدولي. ولكن التآمر الدولي والمساومات ادت بمنظمة التحرير الفلسطينية الى اتفاق أوسلو، التي كانت نتائجه العملية على الواقع: انشاء سلطة فلسطينية تخدم امنيا الأحتلال وتقمع الإنتفاضة، الى ان تطورت الظروف وتراجع دور السلطة لمصلحة حركات المقاومة الرافضة لإتفاق اوسلو وسلسلة العدوانات على غزة والجرائم وقضم الأراضي في الضفة الغربية.
لا بد هنا من الإشارة بإن صراعنا مع العدو الصهيوني هو صراع وجودي في كل المقومات المادية والنفسية، هو صراع بين الجيوبوليتيك المشرقي الناشئ من خلال التفاعل المرحي في بيئة سورية الطبيعية، المقسم والفاقد للسيادة على أرضه ومقوماته نتيجة الإستعمار والتقسيم، والحامل إرادة في الوحدة القومية من جهة، ومع الجيوستراتيجيا الصهيو-استعمارية الهادفة الى انشاء الكيان الصيوني واستعمار الأرض واخضاع الإنسان وتهويد المعتقدات والثقافات الروحية في الأمة، بهدف فرض جيوبوليتيك صهيوني من الفرات الى النيل يستقدم ويجمع يهود العالم من جهة ويخدم الإستعمار والإمبريالية من جهة ثانية.
إن عملية طوفان الأقصى ،وعلى خلاف غيرها من اعمال المقاومة تاريخيا للإحتلال الغاشم، ادت العملية الى تحول نوعي والى سلسلة تحديات وجودية على مصير كيان العدو ونستطيع تحديد مقومات هذا التحدي الوجودي بالتالي:
1.ضرب منظومة المقومات الأساسية لبنيان الكيان الصهيوني :
– مع عملية طوفان الأقصى، بدأت بوادر حرب التحرير التي قوضت أهم مقومات بنيان “المجتمع الصهيوني” ،خاصة الأمن، وانعدام الثقة بين جيش العدو والمستعمرين، والإرباك الإجتماعي ، والتحول الإقصادي السلبي والهجرة المعاكسة، وبهذا هشم طوفان الأقصى الرافعة الإقتصادية الإجتماعية للكيان.
ولهدف التوضيح نطرح فيما يلي بعض المؤشرات الناتجة عن عملية طوفان الأقصى وتحرك الجبهة الشمالية للعدو:
– النزوح الداخلي للصهاينة والهروب من غلاف غزة، بسبب انعدام الأمن ، وفقدان الثقة بجيش الإحتلال، ونزوح 160000 نازح من مستعمرات الشمال من شمال فلسطين نتيجة الخوف من فتح جبهة الشمال الفلسطيني.
– الهجرة العكسية من الكيان الى الخارج ، والمعلومات تقدرها بنصف مليون نسمة حتى تاريخ 20 ت2 ،2023.
– وضع يد المقاومة على مخزون خطير من المعلومات، أهمه لوائح العملاء واخرى مرتبطة بقيادة غلاف غزة، وضبط المعلومات الخاصة بالوحدة 8200 ، ومراكز الشين بت والشاباك في غلاف غزة، شكل ارباكا رهيب للعدو ولمنظومة الدول الداعمة لوجوده . أي كنز حصلت عليه المقاومة من غلاف غزة حتى جن جنون هذا العدو واستقدمت الأساطيل والدم الغربي اللامحدود وغير المشروط له؟
2. الإنعكاسات الإقتصادية والمالية : بعض الأرقام تعطي دلالة على حجم الإنهيار الإقتصادي نتيجة الحرب:
– ضرب الإقتصاد المحلي في غلاف غزة حيث الزراعة والثروة الحيوانية والمصانع الإنتاجية والكيبوتسات الفاعلة، والذي ادى الى استيراد طارئ للمواد الغذائية ، حيث إن 75 بالمئة من الخضروات والدواجن والبيض والفاكهة المستهلكة في “إسرائيل” تأتي من غلاف غزة، إضافة إلى 20 بالمئة من الفاكهة، و6.5 بالمئة من الحليب، وغيرها من المواد .
– اقفال العديد من الشركات وخاصة شركات التطوير التكنولوجي التي كانت قد استقرت في الكيان الصهيوني على اساس الأمن والإستقرار والمحفزات الضريبية والإقتصادية والمالية، وهذا شكل ضربة قاسمة للأقتصاد والصادرات الصهيونية ، كون قطاع التطوير التكنولوجي يشكل 60 % من حجم صادرات الكيان و16% من الناتج القومي، وإن إقفال هذه المؤسسات جاء نتيجة انعدام الثقة في وضع الكيان. هذا الى جانب توقف 140000 عامل فلسطيني من العمل في الأراضي المحتلة والذي ادى الى تدني فوري وصادم في الإنتاج.
– 950000 موظف أصبحوا عاطلين عن العمل، من ضمنهم أكثر من 50% تسريح من العمل نتيجة الحرب، والجزء الآخر بين الدعوة الى الإحتياط والهجرة الفورية عبر مطار بن غوريون ، مما انعكس سلبا على عوامل وحجم الإنتاج والإقتصاد، كما أدى الى ارتفاع في الإنفاق الحربي والكلفة الإجتماعية.
– ان النزوح الداخلي وخاصة بعد بدء التراشق على الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة أدى الى نزوح ما لا يقل عن 160000 من المستعمرات الشمالية الى داخل الكيان، وادى ذلك الى إضافة في الأعباء الإقتصادية نتيجة هذا النزوح، وخاصة اقفال جميع المؤسسات السياحية في الشمال الذي ادى الى خسارة 98 مليون دولار يوميا من القطاع السياحي الذي يشكل في المبدأ 15 % من الناتج االقومي للكيان.
– إقتراح وزارة المال الصهيونية ، بإلغاء 6 وزارات لتخفيض الإنفاق لعدم جدوة تلك الإدارات خلال الجرب ، وبالتالي الذهاب الى حكومة حرب مصغرة وهذا ما ادى الى ارتفاع في البطالة وتحفيز في الهجرة المعاكسة.
– عجزًا في ميزانية الكيان و قدره نحو 17 مليار شيكل (4.5 مليار دولار تقريبا) في شهر نوفمبر المنصرم
– تراجع في النمو الإقتصادي من 6.6 % لعام 2022، الى 2 % في سنة 2023 جراء تأثير الحرب.
– وفق تقرير نشرته صحيفة “فاينانشال تايمز”، فإنه من المحتمل أن يتضاعف العجز المالي في موازنة 2024 في ظل ارتفاع حجم الإنفاق العسكري على حرب غزة، 3 مرات العام الجاري، والذي يقدر بنحو 3 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، بينما جاء توقع وكالة موديز بأن يصل العجز إلى 7 بالمئة من الناتج المحلي العام المقبل
– فقدان الشيكل ما يعادل يعادل 5.4% من قيمته ، حسب تقييم مووديز، وخسارة البنك المركزي أكثر من 30 مليار دولار لإيقاف التدهور النقدي وحماية الشيقل.
، الى جانب انهيارات في بورصة الأسهم. – تكبد المؤشر الرئيسي في بورصة تل أبيب خسائر منذ بداية الأزمة بنحو 9 بالمئة
– خطورة واقعية ومحدقة في انخفاض التصنيف للديون السيادية الإسرائيلية مما سيؤدي الى تراجع حاد في الإستثمارات وهروب رؤوس الأموال وقد خفضت ستاندرز اند بورز التصنيف من مستقر الى سلبي. وهذا ما حدا بالأوساط المالية في مناقشة استراتيجية كابيتال كونترومؤقتة لعدم هروب رؤوس الأموال.
– انكماش في الإقتصاد الصهيوني في الأشهر الثلاثة الأخيرة من العام يقدر ب 11% على اساس سنوي حسب تقرير وكالة ” جي بي مورغان تشيس” في 29اوكتوبر 2023
– خسارة القطاع العام ما يعادل 1.2 مليار دولار اسبوعيا.
– شلل كامل في قطاع البناء الذي يشكل 6 % من الناتج العام.
كل هذه المؤشرات هي انعكاس لواقع العدوان على غزة ولا تتضمن تكاليف الحرب اليومية التي تقدر ب 230 مليون دولار يوميا.
المؤشرات المذكورة اعلاه تظهر حالة الكيان المتهاوية والتي لم تحصل سابقا منذ نشأته وتؤكد ان التحدي الذي خلقته عملية طوفان الأقصى هو تحدي وجودي امام استمرارية الكيان.
إذن الكيان يتجرع السم، دون وجود أي مخرج سياسي اواقتصادي له حتى ولو حصل وقف إطلاق نار، لأن البنيان الإقتصادي والإجتماعي الذي ارتكزت عليه دولة الإحتلال فقد أهم عناصر صموده وتطوره، وكانت وكالة بلومبرغ قد لحظت في تقريرها في 23 ت2 2023 أن الإقتصاد الإسرائيلي بحاجة الى ما لا يقل عن 10 سنوات لإستعادة مؤشراته الإقتصادية ما قبل عملية طوفان الأقصى.
تأثيرات ملية طوفان الأقصى على الوضع السياسي والإقتصادي الخارجي وطموحات كيان العدو:
– في ظل خنوع الأنظمة العربية وقمعها لشعوبها ، ووفي ظل تعاظم الدعم الغربي للكيان الصهيوني وضعت الحكومة الإسرائيلية مشروعها الإقليمي والهادف للسيطرة على الشرق الأوسط من ضمن الأولويات الصهيونية التالية:
أ- مشروع الدولة اليهودية: مقوماته تهجير سكان غزة الى سيناء وبعض الدول العربية، وتهجير سكان الضفة الغربية والقدس الى الأردن
ب- مشروع قناة بنغوريون البديلة عن السويس، وحتما ان مخرج هذه القناة عى المتوسط يجب ان يمر بقطاع غزة المهجر والخالي من الفلسطسنيين، ويجب ان يستعمل مرفأ حيفا كأقوى مرفأ حيوي بعد تدمير مرفأ بيروت في 2020.
ج- مشروع الأبراهيمية، الذي يحاول الصهاينة عبره اخراج المسلمين والعرب من واقع الصدام الوجودي مع الصهيونية اليهودية الى حالة تفاعل أخوية بين سلالات ابراهيم، عابرة للأديان. وقد انزلق حتما في هذا المسار بعض الدول العربية، كالإمارات والبحرين، وبعض الأوساط والمثقفين السعوديين.
د- مشروع التطبيع مع الدول العربية وخاصة دول الخليج وفرض الإرادة الصهيونبية على محور المقاومة وخاصة لبنان والشام والعراق.
ه- مشرروع الممر الهندي الأوروبي الذي يربط الهند والشرق الجنوبي للكرة الأرضية، بأوروبا عبر ميناء حيفا المتوسطي مرورا بدول الخليج، وهذا يشكل الحلم الصهيوني في بناء الشرق الأوسط الجديد.
إن صمود الفلسطينيين في غزة أولا وفي الضفة الغربية ثانيا وتمسكهم بالأرض ورفضهم للهجرة يقوض في البداية مشروع الدولة اليهودية هذا الى جانب موقف عرب 1948 اللذين انتفضوا لحي الشيخ جراح وأثبتوا ان 75 سنة من الإحتلال وحملهم للجنسية الإسرائيلية لم يستطع تدجينهم بل كانت ارادتهم في 2021 حاسمة في رفض الإحتلال. وإن صمود الفلسطينيين في ارضهم في غزة وتوقهم للتحرير سيسقط مشروع بنغوريون من جهته المتوسطية وبذلك عنصر اساسي من الممر الهندي الأوروبي، ولا شك أن عملية طوفان الأقصى احدت صدمة في وجه الدول العربية ومسار التطبيع وهذا ما فرمل السلطات السعودية وفرض الى جانب دعم الشارع العربي والمظاهرات الداعمة لغزة، مواقف حذرة للنظامين الأردني والمصري من عملية التهجير.
ألأولويات الأميركية :
رسمت الإدارة الأميريكية سياستها الخارجية وخاصة في ادارة الحروب والأزمات العالمية للإبقاء على الهيمنة الأميركية في العالم عبر مجموعة من الأولويات:
أ- الممر الهندي اللأوروبي ، لقطع الطريق على طريق الحرير الصيني.
ب- منع العملة الجديدة العتيدة المخطط والمقر لإصدارها من قبل دول تجمع شانغهاي، كعملة بديلة ، للإستيعاض عن الدولار الأمركي.
ج- حرب اوكرانيا واستنزاف الدولة الروسية .
د- حرب في المشرق العربي، استغلال نفط سورية والعراق، ومنع الهيمنة الإلرانية من الإطلال على المتوسط، وهذا ما ينذر بمؤامرة أميركية جديدة قد تستغل الأكراد عبر وعدهم بدولة كردية متحالفة مع الغرب والخليج والكيان الصهيوني تمتد جغرافيا لقطع طريق التواصل بين الشام والعراق وبذلك تقطع المحور المقاوم وتضعفه ، وهذا ما يستبقي القوات الأميركية فب التنف وشرق الشام والجويلارة السورية.
ه- قطع امدادات الغاز الروسية واستبدالها بالغاز المتوسطي والخليجي، وهذا مهمة مستحيلة في ظل امتلاك روسيا ل60% ، وايران 16 % من احتياط الغاز في العالم.
و- المعركة الإقتصادية مع الصين، وكيفية الهاء الصين في حرب اقليمية في بحر الصين و التضييق على انتشار النفوذ الإقتصادي الصيني خاصة في الشرق الأوسط وأفريقيا.
الخلاصة:
– لقد اربك طوفان الأقصى المشروع الصهيوني وضرب مقوماته حتى تلك الوجودية للكيان، وقد ينهي القسم الأكبر من عملية التطبيع نتيجة كشف عورة هذا الكيان ووهن قدراته، وانزال الهزيمة بجيشه واسقاط مقولة الجيش الذي لا يقهر من قبل فصائل مسلحة بالإرادة على البقاء والحق القومي في الأرض.
– إن حرب الوجود مع هذا الكيان الغاصب، وضرب مقومات انشائه واستمراريته تظهر في المؤشرات الإجتماعية والعسكرية الواردة أعلاه.
– إن الأولويات الغربية والأميركية خاصة، بدأت تتناقض الى حد ما مع تلك المرتبطة بحكومة نتنياهو وتعثرها وفشلها ، واخذ الكيان الصهيوني الى حافة الإنتحار. وهذا ما قد يؤثر لاحقا على القرار الأميركي إما بالتضحية بحكومة نتنياهو واعادة ترتيب الحلول الأمركية كحل الدولتين مثلا، إما سيستطيع نتنياهو بهروبه الى الأمام والذي لم تستطع حكومته تحقيق اهدافها أو تحقيق أي انجاز على الأرض يؤدي الى وقف لأطلاق النار في غزة، ولذلك فإن توسيع رقعة الحرب بفتح معركة أقليمية تبدأ من الجنوب اللبناني ويستطيع من خلالها توريط الإدارة الأميركية الجاهزة بحضورها العسكري، كل ذلك من أجل الوصول الى حل اقليمي يؤدي الى وقف اطلاق نار شامل في المنطقة وقرارات دولية جديدة شبيهة ب 1701 ، وما توسيع رقعة وعمق القصف الإسرائيلي في جنوب لبنان، واستمرار الغارات على الشام، واغتيال العميد رضي الموسوي في دمشق باستهدافه من الجو واستفزاز محور المقاومة، الا دلائل على مشروع وخيارات الحكومة الصهيونية.
– إن حسابات البيدر الصهيونية لا تتناسب مع حسابات البيدر عند العالم الغربي ، وخاصة بعد التدخل اليمني في معركة طوفان الأقصى ضمن محور المقاومة، وعلى ابواب دخول المعركة الكبرى معركة الممرات ، حيث سجل الموقف التصعيدي اليمني خطرا كبيرا على اقتصاد العالم الغربي حيث يشكل باب المندب ممر عبور 80% من النفط الجنوبي، وتشكل الممرات إذا ما قطعت ضربة ل 60% من النقل العالمي وخسارة قد تؤدي الى تراجع او انهيار دول كبيرة.
– أنقلاب وتحول منظور وواضح في الرأي العام العالمي وخاصة في اوروبا الغربية والولايات المتحدة، ان المظاهرات والضغوطات الداخلية في الولايات المتحدة لم ترى نظير وسابقة لها الا خلال حرب فيتنام، كما أن مظاهرات لندن ادت الى ارباك حكومي بريطاني واستقالة وزيرة الداخلية، وان ازمة باب المندب ادت الى طرح رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك الى وقف دائم لأطلاق النار وذلك يوم واحد فقط بعد قرار شركة النفط البريطانية وقف نقل البترول عبر باب المندب.
– إن التحدي الوجودي للكيان الصهيوني، الذي تشكل من خلال تراكم العمل المقاوم والمناهض للصهيونية، وشكلت عملية طوفان الأقصى تغيير نوعي قوضت من خلاله دعائم اساسية في هيكلية الكيان وجوهر تكوينه، قد قارب اليوم الخطة المعاكسة للمشروع الصهيوني. إن المراكمة على هذا الإنجاز يكون في الإنتفاض على جميع انواع السيطرة الصهيونية في العالم، والإستفادة من المتغيرات في الرأي العام العالمي ومواقف الشعوب الحرة، كما في الضغط على الحكومات العربية بقطع العلاقات مع هذا الكيان للمزيد من حصاره، وانهاكه من الداخل.
قد تستطيع الصهيونية العالمية تعويض الخسارة المادية والمالية للكيان نتيجة حرب غزة عبر ضخ المساعدات والأموال، ولكن لن تستطيع قوى العالم ردم الهوة البنيوية وترميم الاسس التي قوضتها عملية طوفان الأقصى!!!!
بناء على ما سبق نطرح الأسئلة التالية؟
1- ما هي الكلفة المالية التي يجب ان يدفعها الصهاينة والتي تسمح لمستوطن ان يبقى او ان يعود الى مستعمرات غلاف غزة وشمال فلسطين المحتلة ؟؟؟ وهل استعادة الأمن والثقة يقدر ماليا وهو رهن ارادة الصهاينة فقط؟؟؟
2- وما هي البدائل وأي ساحات يجب أن تولع حتى يستعيد هذا الكيان عافيته ودوره ، وهل سيستعيد …؟؟؟
3- ما هو دورنا الفعلي والعملي لإستكمال مفاعيل طوفان الأقصى لدحر الإحتلال وانتصارنا في حرب التحرير القومية ، وفي صراع الوجود بين امتنا ومشروعهم الإستعماري.
في الخلاصة، ليست هذه الحرب تشبه حروب العالم الأخرى ولا النزاعات الحدودية بين الأمم، بل أن الحرب في فلسطين ومع هكذا عدو يحمل نظرة عنصرية تجاه الآخر وكيان يطفو فوق القوانين الدولية وقراراتها، ويمثل مصالح الإستعمار العالمي ، هي حرب مركبة ذات أبعاد انسانية ومصالح دولية وصراع حضاري.
أن حرب الوجود بين امتنا والمشروع الصهيو-امبريالي، هي حرب تشمل كل نواحي الحياة مع هذا الكيان، هي حرب بين الجيوبوليتيك الواقعي الطبيعي، والأمة الناهضة من واقع الشرذمة والإنقسام العادفة التحرر والسيادة على ارضها وبيئتها الطبيعية ومواردها، وبين الجيوستراتيحيا الصهيو-امبريالية في انشاء وتغذية واتساع الكيان الصيوني الحامل بذور الإستعمار الحاقد والمشروع الغربي في إخضاع امتنا ودول الجوار وبناء شرق أوسط على مسطرة الدولة العميقة في الولايات المتحدة. هي حرب وجودية شاملة تشتمل على كل معاني الحضارة والفعل الإنساني والعمران والتاريخ ، بين قوة حقنا وعدالة قضية امتنا، وحق قوتهم وبطلان مزاعيمهم واضاليلهم التوراتية وحقدهم التلمودي، بين ثقافتين متناقضتين متضاربتين، ثقافتنا المتراكمة عبر الاف السنين، والمبنية على إرث حضاري مدرحي ضاربة جذوره في التاريخ الإنساني حضارة وعطاء وتفاعل ودور رائد في بناء الحضارة الإنسانية، ثقاقتنا المبنية على المحبة والإخاء والعدل والتي علمها زينون الرواقي وجسدها يسوع المسيح في تعاليمه وحياته ، ثقافتنا المشرقية المنفتحة المبنية على معادلة ( الآخر هو شريك ) ، وبين الثقافة التلمودية المنغلقة، المتحجرة، العنصرية في طبيعتها ونشأتها وتاريخها، ثقافة الإستعمار والخداع والمكر والرذيلة وتدمير المجتمعات اقتصاديا واخلاقيا ، ثقافة الحقد على الشعوب وخطاب الكراهية، واستعباد الإنسانية جمعاء، ثقافتهم المتبعة فلسفة ال “اغريقو-يهودية- رومانية” المبنية على معادلة ( الآخر هو عدو) والتي سادت العالم الغربي وكبدت الإنسانية عامة واوروبا خاصة حروب وقتل واستعمار وانهيار القيم امام المصالح . هو أيضا صراع وجودي بين ثقاقتنا الهادفة الى بناء حياة أجود في عالم أفضل قيمه الحق والخير والجمال، والثقافة الصهيو-امبريالية المبنية على الحقد والإستعمار وتهشيم الآخر والإحتكار العبودية الخالية من القيم الإنسانية.
إن عملية طوفان الأقصى أشعلت شرارة حرب الوجود وأعادت فلسطين الى الطاولة الدولية، ووضعت الكيان الصهيوني امام تحدياته الوجودية والخطيرة، كما وضعت كل حركات التحرر المقاومة في امتنا، وكل منا امام تحدي الحفاظ على هذا الإنجاز البطولي والمراكمة عليه في طريقنا الى التحرر والإنتصار.